الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد
فقد جاء الإسلام بأحكام سامية، وآداب راقية، لكن أهملها كثير من الناس، فأحببنا أن نذكر بجملة من هذه الآداب الاجتماعية الإسلامية التي دَرَسَتْ بين الناس، امتثالاً لقول الله تعالى «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» الذاريات ، ولقول الرسول «الدين النصيحة » رواه مسلم
حكم النصيحة لكل مسلم الوجوب وإن لم يسأله، وقد قال بعضهم وجوب النصح يتوقف على السؤال، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا استنصحك فانصح له"، وهو يعد من حقوق المسلم على أخيه المسلم
ويأتي الحديث بعد ذلك عن أدب رفيع يراعي حرمة البيوت، واحترام خصوصيات الناس وهو «الاستئذان»
أولاً «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا»
النحل
لقد جعل الله تعالى البيوت سكنًا يفيء إليها الناس فتسكن أرواحهم، وتطمئن نفوسهم، ويأمنون على عوراتهم وحرماتهم، وهي كالحرم الآمن لأهله، لا يستبيحه أحد إلا بعلم أهله وإذنهم، وفي الوقت الذي يريدون، وعلى الحالة التي يحبون أن يلقوا عليها الناس
فالإسلام ضمن للفرد أن يعيش آمنًا مطمئنًا في بيته، وحذر الآخرين من أن يطلعوا على البيوت بيوت غيرهم من الخارج، وأن يدخلوا من غير إذن صاحبه، فأمر بالاستئذان عند إرادة الدخول، بل وبالتلطف عند طلب الاستئذان، وبالسلام على أهل المنزل؛ لأن ذلك مما يدعو إلى المحبة والوئام، ويجعل الزائر محترمًا مكرمًا مستأنسًا به، وإذا لم يؤذن له فعليه بالرجوع لأن للبيوت حرمة
ثانيًا مفهوم الاستئذان
لغة طلب الإذن في شيء ما بمعنى الإباحة، فالاستئذان طلب الإباحة المصباح المنير، والقاموس المحيط، مادة إذن
شرعًا طلب الإذن في دخول البيوت للمستأذِن، قال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» النور
والاستئناس هنا بمعنى الاستئذان؛ لأنهم إذا استأذنوا أو سلموا أنس أهل البيوت بذلك، وهذا يعطي مَعْنًى دقيقًا، فليس المراد من اللفظ مجرد الإذن، إنما المراد معرفة أنس أهل البيت بدخول الزائر عليهم، فكلمة الاستئناس أعم وأشمل من كلمة الاستئذان، فتشمل الاستعلام والاستكشاف
والمعنى حتى تستعلموا وتستكشفوا الحال، هل يُؤذنُ لكم أَوْ لا ؟ أي تعرفت واستعلمت، قال تعالى «فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا » النساء ، وذلك الاستعلام والاستشكاف إنما يكون بالاستئذان راجع أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
ثالثًا حكم الاستئذان
حكم الاستئذان مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإذن، فحيثما توقف حِلُّ التصرف على الإذن، كان الاستئذان فيه واجبًا، كاستئذان الأجنبي لدخول بيت غير بيته راجع موسوعة الفقه، ،
فلا يجوز للإنسان أن يدخل بيت غيره بدون الاستئذان، والآية صريحة في ذلك «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا» النور
وهذا نهي صريح ظاهره التحريم
فحكم الاستئذان واجب بإجماع العلماء، والمالكية قالوا الاستئذان واجب وجوب الفرائض، فمن ترك الاستئذان فهو عاصٍ لله