ورأى شعاع الشمس الذهبي ينعكس بلطف على أنهار العسل والخمر واللبن ،
فتضفي ألواناً حالمة تنعكس على وجهه فتزيده بهاء ..
ورأى أمامه الحور العين ينادينه من قصر عظيم ،
فيخفق قلبه فرحـاً ..
ويفتر ثغره عن ابتسامة مشرقة ،
زينها الأمل ،
ورصّعها الإيمان
فينادي والدنيا برحابتها لا تتسع لأحلامه
( الآن قد وجبت لنا الجنة ) !
هتف به والقلب يملؤه اليقين ،
والعين تنظر إلى الأفق البعيد ..
تعبر أمواج البحر الهادئ ،
وتلقي بنفسها على ساحل ضيق ،
ثم تنظر إلى الأعلى ..
حيث القلعة العنيدة ،
حيث الحلم المأمول ..
- هذا المضيق الذي يحجزني عن الجنة ،
وتلك القلعة المحصنة التي أعجزت من كانوا قبلي
كيف أكسركبريائها المزيف ؟
كيف أجعلها تنصاع لأمر الله ؟
وتناوشته سيوف اليأس فأخذت تقطع عليه سرب أفكاره،
وأخذ ينافح عنها باستبسال ..
يمرّ بخاطره وجه معلمه الحبيب ،
وتبرق في روحه كلمات هي كالنجوم
كلمات انتشلته من حياة مترفة عابثةن وجعلت منه قائداً فاتحاً عبقرياً
وكيف لا تفعل الكلمات فعلها في قلب تشرب الإيمان من معين القرآن فحفظه ،
وتفقه في أمور السنة فوعيها ،
وأبحر في شتى العلوم حتى أثبت نبوغه وعبقريته ..
ولا زالت تلك الكلمات تؤرقه
تقض عليه مضجعه ،
وتوقظه من هدأة نوم في فراش وثير ،
ليمتطي ظهر جواده ،
ويسابق الشمس قبل موعد شروقها ،
يقف أمام صخرة كبيرة ،
يتأمل تلك القلعة البعيدة ،
وتعصف روحه بكلمات قالها شيخه واضعاً كل الثقة في هذا الفارس المغوار
كلمات قالها نبيّ الأمة محمد صلى الله عليه وسلم ،
حملت بشرى للأمة فاستبشرت
وحمّلته عبئاً ثقيلاً ،
وهما أخروياً طويلاً ،
مالبث أن بدده بسعي وطول تفكير واستعانة بالله
كلمات نقلتها الصحابية الجليلة أم حرام ،
حيث تقول :
عن عبادة بن الصامت أنه قال :
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
( أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم ! )
وهاهي مدينة قيصر -
القسطنطينية -
تناديه من بعيد
تعال يا محمد بجيشك ،أنا لك إن أخلصت العمل ،
أنا لك إن صممت على الوصول
وتجيش مشاعره ،
وتهبّ نسمات قوية تحمل له خطّة عبقريّة ..
وينادي على فرسانه وقادة جيشه ،
ويبدأ التنفيذ في صمت ..
والقلوب تخفق أملاً
- أنكون ممن وجبت لهم الجنة ،
أنكون ممن غفر الله لهم !
وفي ساعة الصفر ،
يبدأ التنفيذ بدقة عالية ..
وتستلم تلك المحصنة القوية طائعة ،
وترفع رايات النصر الإسلامية شامخة في كل مكان
ويصدح صوت التكبير ،
وتخفق القلوب بالفرح ،
وتدمع كل العيون وهي تتبادل تهاني النجـاح والوصول إلى الغاية الأسمى ،
غفران الله تعالى
ويسير محمد الفاتح شامخاًُ بين الصفوف ، ولسانه يلهج بالحمد والشكر لرب ألهمه الخطة ،
وقد خيل إليه للحظة أنها معجزة ..
ويقف على أسوار القسطنطينية وشموخ يملأ وجدانه ..
يقول كلمات خلدها الزمان ،
كلمات فيها مفتاح المعجزة
يهديها لكل من يرغب أن يحقق أمنيات عظاماً :
(
إن لي قلباً كالصخر لا يهدأ حتى أحقق ما أريد ،ولي عين دامعة من خشية الله ، فكيف لا أحقق ما أريد ) !
ويكفكف دمعاً أبى إلا أن يفرض نفسه في لحظة تجلى فيها الإيمان عميقاً ..
وتحفر في قلب الزمان حكاية خالدة ..
ويتردد في الآفاق صوت كلله الفرح بأكاليل النصر ..