الصحة الجسمية والصحة النفسية :
--------------------------------------------------------------------------------
الصحة الجسمية والصحة النفسية :
كل شخص منا قد عانى من الألم خلال حياته ، سواء آلام في الظهر أو صداع أو مغص أو أي ألم آخر ، وتعود الناس منذ القدم الاهتمام بصحة أبدانهم ، وهذا الاهتمام يتزايد يوما بعد يوم 0
وبالرغم من ذلك ولكن نلتقي ونواجه في حياتنا ، القلق ، والمنطوي ، والبائس ، والمتردد ، ونشكو مما يصدر من الأطفال والمراهقين من انحرافات وأنواع أخرى من السلوك ، ونسمع ونقرأ عن كثير من الاضطرابات النفسية 0
وأسباب الأمراض الجسمية يمكن اكتشافها وعلاجها ، وقد اهتم الناس منذ القدم بالجانب العضوي للصحة لأنه بالامكان قياسه واكتشافه والتعامل معه بدقة وموضوعية على العكس من الجانب النفسي للصحة ، حيث لا يخضع لمثل هذه الدقة في القياس 0 وبسبب ذلك حقق الطب تقدما كبيرا في فهم أسباب الأمراض الجسمية 0 إلا أن الصحة النفسية لم تلقى مثل هذا الاهتمام حتى وقت متأخر ، حين تطورت ميادين علم النفس واتبع المنهج العلمي والإحصائي ، والمقاييس النفسية لدراسة السلوك بأشكاله المختلفة وخاصة الاضطرابات النفسية وعلاجها 0
معنى الصحة الجسمية : Physical Health
تُعرف الصحة الجسمية بأنها : التوافق التام بين الوظائف الجسمية المختلفة ، مع القدرة على مواجهة الصعوبات والتغيرات المحيطة بالإنسان ، والإحساس الإيجابي بالنشاط والقوة والحيوية 0
إذا حللنا هذا التعريف يتبين لنا أن الشخص الذي يتمتع بالصحة الجسمية لا بد أن تتوافر فيه السمات التالية :
1ـ السمة الأولى : التوافق التام بين الوظائف الجسمية المختلفة 0 أي أن يقوم كل عضو في الجسم بوظيفته بطريقة سليمة تخدم حاجة الأعضاء الأخرى دون زيادة أو نقصان 0 فعندما يقوم كل من الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي ، والبولي ، والقلب والدوراني بدوره بصوره سليمة في الجسم ، أدى هذا إلى صحة الجسم وقوته 0 وكل عضو من هذه الأعضاء يخدم العضو الآخر 0 وهذا هو المقصود بالتوافق بين الوظائف الجسمية 0 أما إذا قام أحد الأعضاء بنشاط أكبر أو أقل مما يتطلبه دوره 0 فسيؤدي هذا إلى المرض 0 فلو قام الجهاز البولي بنشاط أقل مثلا ، سيجعل الجسم غير متمكن من التخلص من الفضلات ، فيصاب بالمرض 0 ولو عجز الجهاز التنفسي عن القيام بدوره السوي ، أثر ذلك على نقاء الدم في الدورة الدموية ، ولو انخفض نشاط الغدة الدرقية أو زاد عن الحد الطبيعي الذي يحتاجه الجسم ، فإنه سيؤدي إلى اضطرابات متنوعة 0 وهكذا فإن التناسق الوظيفي والمتكامل Integration التام بين الوظائف الجسمية يعني أن تعمل جميعها متعاونة متفاعلة لصالح الجسم كله 0
2ـ السمة الثانية : هي قدرة الجسم على مواجهة الصعوبات العادية المحيطة به ، وقدرته على مقاومة التغيرات المألوفة مثل حرارة الجو مثلا ، مقاومة الأمراض ( المناعة ) 0 والتكيف مع أنواع الأغذية 0 إن أساليب التوافق الجسمي لهذه التغيرات كثيرة ومعروفة مثل : ارتفاع درجة حرارة الجسم حين المرض ( وهذا إنذار للفرد للإسراع بالمعالجة ) 0 أو هجوم كريات الدم البيضاء على جرثومة ما من أجل حماية الجسم ، وكثرة إفراز العرق عند ارتفاع درجة الحرارة لتعيد للجسم تنظيم درجة حرارته 0
3ـ السمة الثالثة للصحة البدنية : هي الشعور بالنشاط والقوة والحيوية ، وهذه السمة مرتبطة بدرجة وثيقة بالسمتين السابقتين 0 فلا يمكن للشخص أن يكون متمتعا بالصحة الجسمية إذا لم يكن هناك توافق بين وظائف أعضائه وأجهزته الجسمية ، ولم يكن قادرا على مواجهة التغيرات أو الصعوبات العادية التي يتعرض لها الجسم 0
معنى الصحة النفسية النفسية : Mental Health
هناك علاقة بين الصحة الجسمية والصحة النفسية وهي علاقة وثيقة ، فتعريف الصحة النفسية هو تعريف الصحة الجسمية نفسه ، مع إبدال كلمة ( نفسية ) بكلمة ( جسمية ) ، فالصحة النفسية هي : التوافق التام بين الوظائف النفسية المختلفة ، مع القدرة على مواجهة الأزمات والصعوبات العادية المحيطة بالإنسان ، والإحساس الإيجابي بالنشاط والسعادة والرضا 0
وهذا يعني أن الشخص الذي يتمتع بالصحة النفسية لا بد من توافر السمات التالية فيه :
1ـ التوافق التام بين وظائفه الجسمية المختلفة : أي أن يكون هناك انسجام وتوافق بين كل وظيفة نفسية والوظائف الأخرى بحيث تخدم عملها دون زيادة أو نقصان 0 والوظائف النفسية هي : المقومات المعرفية العقلية ( إدراك ـ انتباه ـ تجريد ـ تخيل ـ تفكير ) والانفعالية ( سلوك اجتماعي وصداقات ، وتعاون ، واتجاهات ) 0 فالانسجام إذا يكون بين هذه المكونات جميعها في شخصيته ، بين ذاته المثالية وذاته الواقعية ، بين قدراته أو إمكاناته ، ومستوى طموحه ، بين حاجاته أو رغبته واتجاهاته 0 فإذا كان مستوى طموحه أعلى من قدرته أو كانت الفجوة كبيرة بين ذاته المثالية ( التي يرغب أن يكون ) وذاته الواقعية ، أو كان خوفا من مثير ما زائد أو أقل عن الحد الطبيعي الذي يتطلبه المثير أو الموقف ، أو كانت ذاكرته أقل أو أكثر من المعتاد عند الإنسان السوي 0 فإن هذه الحالات تؤدي إلى خلل في الصحة النفسية وتزيد من الاضطرابات النفسية 0
2ـ قدرة الفرد على مواجهة الأزمات والصعوبات العادية المختلفة التي يمر بها : وهي كثيرة جدا هذه الأزمات والضغوطات التي يمر بها الإنسان وخاصة في هذا العصر الذي سُمي ( عصر القلق ) فالشخص المتمتع بالصحة النفسية هو القادر على مواجهة ضغوطات الحياة وأزماتها وحلها بصورة واقعية مثمرة ، وليس أن يتهرب منها 0
3ـ الإحساس بالسعادة والرضا والحيوية : والمقصود بذلك : أن يكون الفرد متمتعا بعلاقاته مع الآخرين ، راضيا عن نفسه ، وسعيدا وليس متذمرا كارها لها 0 ويرتبط هذا الشعور بالسمتين السابقتين 0 فلا يمكن للفرد أن يكون سعيدا وراضيا ، إلاّ إذا كان هناك توافق بين وظائفه النفسية ، وقادرا على مواجهة الأزمات والصعوبات التي يمر بها 0