تشتهر الطائف بأنها (( مزرعة الورد )) الذي لا نظير له ، حتى غدت ذات شهرة طاغية ، فبات ورد الطائف الذي لا يزرع إلا في تربتها أكثر الورود قيمة وجمالاً ، فمنه يستخرج عطر الورد الطائفي الشهير ذو الرائحة الجميلة المتميزة ، حتى اكتسبت الطائف خبرة وعراقة صناعة العطر والطيب الذي تبلغ قيمته آلاف الريالات .
تذكر كتب التاريخ أن زراعة الورد في منطقة الطائف معروفة منذ العصر الجاهلي ، وذاعت شهرة العطور المستخرجة منه ، وصار ماء الورد الطائفي هدية يتناقلها الناس وتبادلون إهداءها ، ولا شبيه لورد الطائف إلا وردة ( كازناك ) البلغارية ، ومن هنا راح الاعتقاد بأن أول شجرة للورد الطائفي ربما جلبت من البلقان موطن تلك الوردة .
والطائف التي ترتفع عن مستوى سطع البحر بـ 6400 قدم أسهم ارتفاعها في أن تكون مزرعة مثالية ومناسبة لهذه الورود ذات الرائحة الزكية والتي منها يستخرج عطر الورد ، وماء الورد .
فدهن الورد الطائفي يحتفظ بقوة شذاه لمدة طويلة وتتم عملية تصنيعه بحرفنة وطريقة يعرفها المتمرسون بهذه الصناعة من أهالي الطائف الذين يتوارثونها جيلاً بعد جيل ومنذ القدم .
إن الورد الذي يصنع منه عطر الطائف لاتدوم مدة أزهاره غير شهر واحد في العام وهو شهر ( أبريل ) وما أن تنمو الورد ويتفتح حتى يقوم المزارعون إلى قطفه لأنه يذبل بعد أيام إذا ترك في أشجاره .
تبلغ شجرة الورد الطائفي ذروة إنتاجها في الأسبوع الثالث من أبريل ، ويصل طول الشجرة حين يكتمل نموها إلى متر ونصف المتر ، وتبدأ إعطاء زهرها بعد عام من غرسها .
والشجرة الواحدة يمكن أن يقطف منها في المتوسط 200 وردة كل صباح ، وإذا ما بلغ عمر الشجرة عشرين سنة فإنها تنتج ما متوسطه 3000 وردة خلال الموسم الواحد .
وتروى مزارع الورد في الطائف بمياه الأمطار والآبار الارتوازية .
ويستخلص العطر النقي من الورود بعناية فائقة بحيث تحتوي كل قارورة على تولة .
ويختلف سعر بيع التولة حسب الموسم وحسب مدى الإقبال والطلب عليها ، وهو يتراوح بين 2000 – 3000 ريال سعودي ( 530 – 800 ) دولار أمريكي .
وبالرغم من أن هذا السعر يبدو عالياً ، فإن الذين يقدرون العطر حق قدره ولا يرونه كذلك ، فهم يعرفون أن إنتاج تولة واحدة من عطر الطائف يتطلب نحو 10.000 إلى 15.000 وردة .
وإذا كان عطر الطائف هو المنتج الثمين الذي تقدمه لنا وردة الطائف ، فإن ماء الورد الذي نحصل عليه أثناء عملية التقطير ليس مجرد منتج ثانوي عديم القيمة ، فالحقيقة التي لا يجادل فيها أحد أنه منتج مرغوب ، صحيح أن ثمنه ليس غالياً كالعطر ، ولكن فوائده واستخداماته المتعددة تشفع له وترقى بمنزلة إلى مصاف المنتجات الرئيسية المهمة .
فماء الورد يباع لاستخدامه في العديد من الأغراض الطبية إلى جانب استخدامه في صناعة بعض الأطعمة وفي الطهي فضلا عن دوره في الاحتفالات والمناسبات والأفراح ، ولا يكاد يخلو مطبخ في مختلف أنحاء الشرق الأوسط من ماء الورد .
ويكتسب ماء ورد الطائف أهميته العلاجية من قيمته في الطب الشعبي الذي يجعله مفيداً للقلب والمعدة ، ويزداد الإقبال على هذا المنتج بشكل لافت المنظر خلال أيام شهر رمضان المبارك وعيد الفطر ، إذ يدخل في تجهيز وجبة الإفطار وفي صناعة الحلوى .
كما أنه يكسب الشاي مذاقاً مميزاً ويدخل في إعداد القهوة البيضاء المفيدة للصحة لخلوها من مادة الكافيين .
ويوضع ماء الورد في مرشات خاصة ، لها رقاب طويلة ، وقواعد بصلية الشكل ، ويشيع استخدام هذه المرشات في أنحاء مختلفة من دول العالم الإسلامي وبخاصة في المناسبات الاجتماعية واستقبال الضيوف وحفلات الزفاف .
وإذا كان هناك تفاوت بين عبير عطر الطائف وذا غيره من العطور ، فإن ثمة تفاوتاً أيضاً بين العطر المنتج في منطقة الهدا وذلك المنتج من منطقة الشفا .
وقد يدخل أنصار عطر كل منطقة في جدل طويل مع أنصار عطر المنطقة المنافسة حول مزايا هذا العطر .
وفي منطقة الهدا قام بعض المستثمرين باستثمار جزء من ثرواتهم في شراء أجهزة التقطير المائي الحديثة المصنوعة من الصلب الذي لا يصدأ ، والمستوردة من ( جراس ) جنوب فرنسا ، التي تعد المركز العالمي لإنتاج العطور ، وقد مكنتهم هذه الأجهزة الحديثة من إنتاج عطر متميز لا يحتوي على روائح ثانوية ، وبتكلفة قليلة .
ويبدو أن إدخال هذه التقنية الجديدة في منطقة الهدا يعني بداية الانفصال عن صناعة الماضي ، ولكن للجديد مزاياه الواضحة ، فالتقنية الحديثة تساعد على زيادة إنتاج ماء ورد الطائف والعطر الثمين الذي يستخلص منه .
ويرى أحد الخبراء أن أجمل عطور العالم تأتي من بلغاريا والمملكة العربية السعودية وروسيا على التوالي ، ويتميز عطر كل دولة ببعض السمات التي تجعله منفرداً ومتميزاً عن غيره ، في حين يتسم عطر الطائف برائحته المميزة والفريدة .