التربية المتناقضة بين الأب والأم
سعد طفل في الرابعة من عمره، اعتاد أن يكذب على أصدقائه وأقاربه، فكانت الأم تنهره وتخبره بأن هذا تصرف خاطىء، أما الأب فيضحك على تصرفات سعد فهو في نظره مجرد طفل.
مثل هذا الموقف وغيره يتكرر في العديد من البيوت.. تتناقض آراء الأهل إزاء تصرفات أبنائهم، وذلك التناقض والإزدواجية في تربية الأبناء لها أثر سلبي في شخصية الطفل وأسلوب تعامله مع الآخرين.
ومن تلك الأضرار:
الأمراض النفسية وتشويه شخصية الأبناء :
تؤثر الخلافات بين الأب والأم على النمو النفسي السليم للطفل، بل لا نبالغ إذا قلنا إن أكثر المشاكل النفسية للطفل سببها الوالدان.. وخاصة الخوف والقلق الذي يكون مصدره فقدان الطفل للشعور بالأمن بين أبويه، ولذلك على الوالدين أن يلتزما بقواعد سلوكية تساعد الطفل على أن ينشأ في توازن نفسي، ومن أهم هذه القواعد الاتفاق على نهج تربوي موحد بين الوالدين.
عدم التمييز بين الحق والباطل والصحيح والخاطىء:
الازدواجية في التربيةتسبب الإرباك للطفل وتجعله غير قادر على تحديد ما هو مقبول منه وما هو مرفوض، وما هو صحيح وما هو خاطىء.. بل يصل الأمر إلى أن لا يفرق بين ما هو حلال وما هو حرام فكل من الوالدين قد جعل من نفسه مفتياً لولده بما يراه، وهذا يصل بالطفل إلى مرحلة التهاون والتساهل بأمور دينه.
تحطيم القدوة وزرع العقوق:
كأن تعلن المرأة أمام أولادها التذمر أو العصيان، أو تتهم الوالد بالتشدد والتعقيد، أو تقوم أمام الأولاد بتنفيذ رأيها وكسر كلمة أبيهم، فيرسخ في أذهان الأولاد ضعف الأبواحتقار عقليته وعدم تقبل ما يقوله أو يأمر به. والعكس أيضاً صحيح فعندما يعلن الأبأمام أولاده أن أمهم متشددة أو معقدة أو لا تدري كيف تسير الحياة، وعندما يفرض رأيه عليها ويحقر رأيها أمام أولاده فإنه بذلك يحطم القدوة فيها ويسوق أولاده إلى العصيان والعقوق..
تأصل عادات مذمومة كالكذب والاحتيال :
كأن تعرض المرأة على زوجها أمراً فإذا أبى الزوج خالفته خفية مع أولادها، فيتعود الأولاد مخالفة الوالد والكذب عليه، ثم يقومون بنفس التصرف معها هي إذا احتاجوا إليه، فنجد أنفسنا أمام شخصية غير سوية، متناقضة تدعي أمام الوالدين موافقتهم على كل ما يطلبونه منهم وإعجابهم به، بينما هم على أرض الواقع وبعيداً عن آبائهم يتصرفون بشكل مغاير لما يدعونه. ويتأصل الأمر في نفوسهم ويتجذر حتى يصير خلقاً داخلياً ينطبع على سلوكهم الاجتماعي عامة.
مشاعر العدائية نحو أحد الطرفين:
فقد يكره الطفل والده ويميل إلى الأم أو قد يحدث العكس إذا كان أحدهما يتصف باللين والآخر يتصف بالشدة، فيبدو الوضع في المنزل وكأنه حالة حرب مستمرة يتحيز فيها الطفل إلى أحد (المعسكرين) فيصرف الطفل الولاء والطاعة لأحد الطرفين على حساب الآخر، وغالباً ما يكون الطرف اللين المتساهل هو المحبب للطفل بغض النظر عن كونه على صواب أو خطأ!! لذلك على المربي المصلح أن يحرص على أن لا يخسر الأولاد بسوء تصرفه.
انحرافات التستر على الأولاد:
كثير من الانحرافات تحدث بسبب تستر الأم على ولدها إذا أخطأ، ومعاونته بالمال أو التسهيلات لخروجه وسهره في غياب أبيه بحجة رحمتها لولدها أو ضغطه عليها فتكون عواقب تصرفها وخيمة.
ولتتذكر أن أغلب الانحرافات تنشأ من عدم التوازن بين الحب والضبط، فالزيادة في الحب تؤدي إلى الميوعة وتكوين شخصية غير متماسكة لا يعتمد عليها، والزيادة في الكبح تؤدي إلى الثورة والعنف.
وهنا يبرز لنا السؤال الهام:
كيف يتفق الأبوان في حالة اختلافهما؟ وكيف يمكن التقريب بينهما لمصلحة الأبناء؟
إن كان اختلافكما في تربية أبنائكما اختلافا حول أمور الحياة البسيطة كالأكل والشرب والتسوق وما إلى ذلك فالأمر هين ومستطاع ورحم الله من كان منكما أكثر تجاوباً وتنازلا ومسايرة قدر المستطاع..
أما إن كان الخلاف حول أمور تمس الدين والخلق لدى الأبناء فهنا يكون الأمر حقاً مشكلة تحتاج الحلول والأدوية الناجحة.
إرشادات وحلول
وعلى الطرف المجاهد للإصلاح في المنزل المناضل لتسيير المركب فيه إلى رضا الله وطاعته سواء كان الأبأو الأم، أن يصبر ويجاهد ويحتسب.. وإليكم إشارات لبعض الحلول لعلها تنير السبيل للمحتسب من الزوجين:
إخلاص النية في التربيةوالتوجيه، وليكن في ذهن المربي المصلح في المنزل أن طريقه ليست مفروشة بالورود بل هي صعبة لأنه يربي وحده وقد فقد معونة الطرف الآخر، وهذا يتطلب المزيد والمزيد من الصبر والإحتساب والثبات والتضحية.
على الطرف المصلح أن يحاول بكل وسيلة ممكنة تقريب الطرف الآخر إليه. وليس المقصود بالتقريب أن يساير في الباطل أو يتنازل عن الحق والصلاح ليكسب الطرف الآخر ولكن المقصد أن يتعامل بذكاء وسياسة فيرتفع ويتسامى ويشد الطرف الآخر إلى السمو والرفعة معه.
ولا نبالغ إذا قلنا أن أكثر المشاكل النفسية للطفل سببها الوالدين.. وخاصة الخوف والقلق الذي يكون مصدره فقدان الطفل للشعور بالأمن بين أبويه.
التركيز على التربيةوليس على المشاكل، بأن يكون محور اهتمام المربي هو الطفل وكيفية التأثير الإيجابي عليه بكل وسيلة ممكنة ليكسب فكره وعواطفه وتوجهاته، دون الحاجة لتركيز جل الاهتمام وكل التفكير في الصراع والمواجهة مع الطرف الآخر.
بل بذل الجهد في زرع الأخلاق والمبادىء الطيبة في نفوس الأبناء.. حتى إذا ما تعرضوا لمثل هذا الاختلاف استطاعوا بقناعاتهم السليمة اتخاذ القرار.
الحرص على سياسة الاحتواء والاستيعاب للأولاد، بأن يحوطهم بمحبته وعطفه ورعايته، ويشعرهم بحرصه واهتمامه، وكلما زاد تأثير المربي على الطفل كلما قل وتضاءل تأثير الطرف الآخر عليه. ولكن من المهم أن لا يمتد هذا الاحتواء لينقلب إلى التدليل التام الذي لا عقاب فيه ولا تأنيب مهما أخطأ الولد بحجة الرغبة في كسبه، وبالمقابل فالقسوة والشدة الدائمة تنفر الولد من المربي فينحاز للطرف الخاطىء.
التثقيف وزيادة الوعي في الأساليب التربوية الناجحة، وذلك من خلال قراءة الكتب النافعة أو سماع الأشرطة المختلفة، واهدائها للطرف الآخر (الزوج، الزوجة).
تحسين صورة الطرف الآخر (والدهم أو والدتهم) في عيونهم قدر الإمكان.. حفاظاً على علاقة البر والصلة.
تجنب المشاحنة والخلاف في حضور الأبناء.. فإن حدث ذلك فعلى الطرف المصلح التزام الصمت وعدم ممارسة التحدي حتى يحين الوقت المناسب لمناقشة الأمر بينهما، بعيداً عن أعين وأسماع الأولاد.
المصارحة والمناقشة من أهم الطرق في المعالجة، ومن المهم أن يتضمن النقاش أهمية الاتفاق بين الوالدين.. وأثر الاختلاف على شخصية الأبناء ومن الأفضل ذكر بعض الأمثل التي توضح مخاطر هذا الاختلاف.. والإشارة إلى كثرة الأمراض النفسية التي تصيب الأبناء نتيجة هذا التذبذب.