المعلومات و أهميتها في نهوض وتطور الأمم
انه عصر المعلومات والذي أصبح المحرك الرئيس في عجلة التقدم الإنساني، وأحد أهم أسباب تطور الشعوب والأمم، فنجد أن الدول المتخلفة والنامية تعاني من نقص حاد في الإنتاج الفكري وإنتاج المعلومات العلمية والتكنولوجية، فنصيب تلك الدول النامية في الإنتاج الفكري العالمي من العلوم بالكاد يصل إلى واحد بالمائة من الإنتاج العالمي إن لم يكن اقل من ذلك، وعلى النقيض من ذلك نجد أن بعض الدول المتقدمة يتجاوز إنتاجها الفكري 5% من إجمالي النتاج الفكري ، و تكمن قيمة هذه الحقائق أساساً في الدلالة على توقف معدلات النمو في دولة ما على مدى إفادتها من المعارف و المعلومات لا على قدرتها على إنتاج المعارف الجديدة .
فالمعارف و المعلومات متوافرة في كل مكان في العالم ، و لكنها ينبغي أن تتاح لجميع فئات المسؤولين عن اتخاذ القرارات و رجال الأعمال و الباحثين و المهندسين و رجال التكنولوجيا ، كما ينبغي توفير سبل إيصالها و تداولها .
وواقع الأمر أن الفجوة التي ينبغي تخطيها لدفع عجلة التنمية في الكثير من الدول إنما هي فجوة في تيسير سبل الوصـول إلى الـمعلومـات وتداولها. (1)
والمعلومات ليست اختراعاً عصرياً ، وإنما هي أهم سلاح استخدمه الإنسان في مواجهة تحديات الحياة على مر العصور .
ومما لا شك فيه أن هناك تفاوتاً من عصر إلى عصر و من مجتمع لآخر في استثمار المعلومات. فإذا تتبعنا منحنيات ازدهار الحضارات وانهيارها فسوف يتبين لنا الارتباط الوثيق بين عوامل الازدهار بكل مظاهره ومجالاته و عوامل الانهيار من جهة ، والحرص على استثمار ثروة المعلومات من جهة أخرى ، لأن استثمار المعلومات يعني الرشد والصواب ، بينما يعني تجاهلها الخلط و الاضطراب . ولا مبالغة في القول بأن المعلومات هي الأساس في انقسام الدول في عالمنا المعاصر إلى فئتين ؛ دول متقدمة و أخرى متخلفة .
والعبرة ليست بوجود المعلومات وإنما بتوافر مقومات استثمارها ، ولا تقتصر مقومات الاستثمار على الجوانب التنظيمية التي تضطلع بها مرافق المعلومات ، و إنما تشمل أيضاً المستفيد الواعي الحريص ، ولعل أهم ما تمتاز به الدول المتقدمة على الدول المتخلفة هو التميز النوعي في الموارد البشرية على المستوى العام .
ويرجع هذا التمييز النوعي إلى مجموعة من العوامل في مقدمتها توافر مقومات استثمار المعلومات ؛ ولهذا العامل انعكاساته المباشرة على غيرة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والصحية و التعليمية .
وبينما تتميز الدول المتخلفة بتوافر الموارد الطبيعية وكذلك ضخامة الموارد البشرية ؛ مع ذلك فإنها تبدوا عاجزة عن تحقيق الاستثمار الأمثل لهذه الموارد ، حيث تركت الأول نهباً للدول المتقدمة ، وتنظر للثانية باعتبارها عبئاً لأنها وقفت بالموارد البشرية عند الكم و لم تعمل على تحقيق التنمية النوعية لهذه الموارد بالمعلومات أولاً و أخيراً .
ويرجع سبب تسمية عصرنا الحاضر بأنــه عصر المعلومــات أو مجتمعــنا المعــاصر بأنـــه مجتـمـع المعلومات ؛ أن البشرية قد مرت بعدة مراحل واضحة المعالم في تطورها ، حيث تسمى المرحلة التي كان الإنسان يعتمد فيها على المواد الخام الأولية بالمجتمع ما قبل الصناعي ، ثم جاءت بعد ذلك مرحلة المجتمع الصناعي الذي نتج عن إحلال الأدوات الآلية محل الأدوات اليدوية ، و ما ترتب على ذلك من نمو الإنتاج الصناعي . أما المرحلة الثالثة و التي نعيشها الآن فهي المجتمع ما بعد الصناعي الذي يدور في فلك المعلومات . (2)
ومن هنا نطلق على مجتمع ما أنه مجتمع المعلومات إذا تميز بوسائل اتصال تفاعلية مع انتشار غير محدود . إنه ذلك المجتمع الذي يتعامل مع المعلومات بأسلوب مستمر ، متطور وفعال. ولا شك أن هذا المجتمعات هي التي تبقى وتزدهر وتحقق نتائج إيجابية لمواطنيها ذلك أنها تبقيهم على اتصال مستمر بكل ما هو جديد في العالم بما يحويه من ثورات علمية واجتماعية وثقافية وسياسية . ونتيجة لازدياد الحديث عن المعلومات أصبح يطلق على مجتمعنا المعاصر مجتمع المعلومات وعصرنا الحاضر بعصر المعلوماتية .
ومما يتضمنه مدلول لفظ المعلوماتية هنا :
التكنولوجيا : الأسلوب المنهجي المنتظم الذي نتبعه عند استخدام تراث المعارف المختلفة (بعد ترتيبها وتنظيمها في نظام خاص) بهدف الوصول
إلى الحلول المناسبة لبعض المهام العلمية .
التكنولوجيا الجديدة : الكمبيوتر وما يتصل به من معدات اتصال وبرامجيات تمكن الكمبيوتر من التخاطب (في إطار شبكي) مع أجهزة أخرى .
تكنولوجيا المعلومات : هي استخدام الآلات التكنولوجية الحديثة ومنها الكمبيوتر في جمع البيانات ومعالجتها .
وهكذا يمكننا تعريف المعلوماتية بأنها ذلك الإطار الذي يحوي تكنولوجيا المعلومات ، وعلوم الكمبيوتر ، ونظم المعلومات وشبكات الاتصال وتطبيقاتها في مختلف مجالات العمل الإنساني المنظم . كما يمكننا القول أن المعلوماتية هي منظومة تحوي ثلاثة أبعاد رئيسية هي :
- العتاد الصلب Hard Ware – البرامجيات (العتاداللين) Soft Ware – الموارد المعرفية Knowledge Ware
وظاهرة المعلومات بطبيعتها ظاهرة مراوغة ، خاصةً إذا نظرنا إليها من زاوية اقتصادية ، فنحن عادةً ما ندرك أهمية المعلومات بطريقة سلبية ، بمعنى أننا يمكن أن نلمس ما يترتب على غياب المعلومات المناسبة في موقف معين من قصور في الأداء يبلغ حد الكارثة أحياناً ، في حين أننا قد لا ندرك ما لتوافر المعلومات المناسبة من أثر إيجابي في موقف معين بنفس الدرجة من التحديد والوضوح ، وربما كان السبب في ذلك ما للمعلومات من ارتباط وثيق بجميع مجالات النشاط البشري ، فنحن في جميع مناحي حياتنا الخاصة و العامة نكتسب المعلومات رضينا أو لم نرض ، وسواءٌ أكان ذلك بالطرق الرسمية أو المنظمة أو بالطرق غير الرسمية .
كما أننا نفيد من المعلومات أياً كان مصدرها في كل خطوة نخطوها ، فـإذا مـا نظـرنا للنــشاط البشري باعتباره سلسلة متصلة من القرارات فإننا نحتاج إلى المعلومات في المراحل الرئيسية التالية :
1-إدراك الظروف المحيطة بنا سواء في حياتنا الخاصة أو في حياتنا العامة ، وسواء كنا في مجال الإدارة على اختلاف مجالاتها و مستوياتها ، أو في مجال البحث العلمي ، أو في مجال الدفاع الوطني والأمن القومي.
2-إدراك ما يطرأ على الظروف المحيطة بنا من تغير ، و التعرف على أبعاد هذا التغير و طبيعته .
3- التعرف على سبل التعامل مع هذا التغير أو تطويقه أو التأقلم معه ، إلى غير ذلك من البدائل المختلفة حسبما تملي ظروف الموقف .
4- تحديد البديل المناسـب واتخــاذ القرار بشأنه .
5- تنفيذ القرارات .
6- -متابعة نتائج التنفيذ .
ومن الطبيعي أن يؤدي مرورنا بهذه المراحل إلى اكتساب مزيد من الخبرات وإنتاج مزيد من المعلومات ومن الطبــيعي أيـضا أن تختـلـف احتياجاتنا إلى المعلومات و سبل تلبية هذه الاحتياجات تبعاً لطبيعة كل مرحلة من هذه المراحل ، كما أن هذه الاحتياجات و سبل تلبيتها عادةً ما تختلف من موقف إلى آخر تبعاً لمدى الحاجة إلى السرعة أو الحاجة إلى اكتمال المعلومات ، وغالباً ما تنتهي هذه السلسلة من المراحل بخبرة جديدة تضاف إلى رصيد المعلومات تسلك سبيلها فيما يوفره المجتمع من قنوات الاتصال . (3)
وأياً كان مجال القرار و مستواه فإن المعلومات عادةً ما تنطوي على الحد من اللبس أو الغموض . بل أن المعلومات هي ما يؤدي فعلا إلى الحد من اللبس أو الغموض ومن ثم ما يساعد في اتخاذ القرارات و ما يتوقعه المسؤول عن اتخاذ القرار فعلا من نظام المعلومات .
إلا أن مدى ما يواجهه متخذ القرار من لبس أو غموض عادةً ما يختلف من مكان لآخر و من مستوى لآخر ، و من ثم كمية المعلومات لا بد و أن تختلف أيضاً .
ولهذا فإن المعلومات تعتبر كمية نسبية و من الممكن قياسها كمياً على أساس ما لها من أثر على حالة متخذ القرار في لحظة بعينها .
ومن الواضح أن كمية المعلومات اللازمة لتغيير حالة متخذ القرار أو تغيير مستوى إدراكه عبارة عن حد أدنى بعينة من البيانات ، و يختلف هذا الحد الأدنى من شخص لآخر ومن وقت لآخر و من مكان لآخر .
وكما هو واضح فإننا لا نستطيع قياس كـم المعلومات أو قيمة المعلومات إلا إذا قام المتلقي بأداء عملٍ ما . (4)
هذا فضلاً عما حدث من تطور هائل في سبل الاتصال و ارتفـــاع حرارة التنافس بين الدول ، و بروز المعلومات كعنصر أساسي في هذا التنافـــس ، حيـــث تـشكــل قنــوات الاتصال و منــافذه ما يسمى بنظام المعلومات ، ونظام المعلومات في أي وسط أو في أي مجتمع إنما هو بمثابة الجهاز العصبي في الكائن الحي ، و مركز المعلومات باعتباره أحد النظم الأساسية لنظام المعلومات إنما هو بمثابة القلب والعقل معاً ، وهناك عبارة كثيراً ما تتردد بوعي أو بدون وعـــي وهي أن نظام المعلومات الناجح هو النظام الذي يكفــل توفيــر المعلومات المناسبـة للمستفيد المناسب بالقدر المناسب وبالشكل المنـاسب و فـي الوقـت المناسب .
وهذه صياغة لا غبار عليها لهدف طوح ، و لكن ما السبيل لتحقيق هذا الهدف ؟ تتوقف إمكانات تحقيق هذا الهــدف علـى القدرة على الربط الوثيق بين الأبعاد الأساسية لقضية المعلومات وكفالة التناغم و الاتساق بين هذه الأبعاد .(5)
وبهذا يمكن القول أن للمعلومات دورها الذي لا يمكن إنكاره في كل نواحي النشاط ، فهي أساسية للبحث العلمـي ، وهـي التـي تشكـل الخلفية الملائمة لاتخاذ القرارات الجيدة ، وهي عنصر لا غنى عنه في الحياة اليومية لأي فرد ، و هي بالإضافة إلى هذا كله مورداً ضروريا للصناعة والتنميــة والشـؤون الاقتـصاـديـة والإدارية والعسكرية و السياسية …..الخ
وبذلك نستطيع القول أن من يمتلك المعلومات يستطيع أن يكون الأقوى.وهنا تكمن المشكلة اذ بامتلاك هذه القوة التي ستفرض على الأضعف سيتحول العالم إلى احادي السيطرة ، فالى اتساع الفجوة بين العالمين….
ويظل السؤال هل الإنسانية سائرة نحو مزيد من الحقوق الفردية ومن الحرية الشخصية ومزيد من التقدم أو نحو أسلوب جديد من العبودية والأسر؟